واقع وآفــاق العلاقات بين سوريا والمغرب
1 ـ لئن كان المغرب وسورية مرتبطين بعلاقات أخوية، متينة وموصولة، منذ سنة 1957، غداة حصول المغرب على استقلاله، قوامها التفاعل والتضامن، فإن هذه العلاقات قد عرفت نقلة نوعية هامة على المستوى السياسي، عقب زيارة جلالة الملك محمد السادس لدمشق سنة 2002، وهي الزيارة التي صدر عنها بيان مشترك، تقرر من خلاله رفع مستوى اللجنة العليا المشتركة لتصبح برئاسة قائدي البلدين، كما تم التأكيد على تفعيل مقررات اللجنة، وبلورة مقتضيات الاتفاقيات التي وقعت خلال انعقاد الدورة الأولى لهذه اللجنة، هذه الدورة التي انعقدت بدمشق سنة 2001.
وفي سياق هذه النقلة التي عرفتها العلاقات المغربية - السورية، في ظل السياسات، القطرية والقومية، الحكيمة التي ينهجها قائدا البلدين، جلالة الملك محمد السادس، وفخامة الرئيس، الدكتور بشار الأسد، فقد تسارعت وتيرة التفاعل، واتسع مجال التعاون والتشارك، وترسخت مقومات التضامن ما بين البلدين الشقيقين.
وبفضـل هذا التطور الواعد في العلاقات السياسية ما بين البلدين الشقيقين، فقد ازدادت المواقف والأفعال تقاطعا بل تطابقا والتحاما إزاء القضايـا المصيرية للأمة العربية : قضية تحرير الأراضي العربية المحتلة في فلسطين والجولان وجنوب لبنان، وقضية وحدة الصف العربي والفلسطيني كضرورة حيوية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وقضية مواجهة الإرهاب واحتواء أخطبوطه، وقضية التعاون والاندماج بين أقطار الوطن العربي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية في ربوع الأمة العربية، في إطار رؤية رصينة، للعلاقة الجدلية المبدعة بين ما هو قطري وما هو قومي، بين ما هو ظرفي وما هو استراتيجي، بما يعزز السيادة الوطنية، ويصون الوحدة الترابية لكل بلد من جانب، وبما يوفر الشرط الموضوعي للانخراط في ديناميكية الاندماج القومي، وبناء الاتحاد العربي من جانب آخر.
2 ـ وهكذا، فقد انخرط البلدان، منذ سنة 2001، في صياغة واعتماد اتفاقيات وبروتوكولات ومذكرات تفاهم، طالت تنمية التجارة البينية، وتشجيع وحماية الاستثمارات، وتجنب الازدواج الضريبي، وتنمية الملاحة البحرية وإقامة منطقة تبادل حر، وغيرها من مقومات التعاون.
كما سعى البلدان إلى استكمال الإطار القانوني ليغطي مختلف مجالات التعاون، الاقتصادية والتجارية والسياحية والاستثمارية والثقافية والإعلامية والقضائية والتقنية من جهة، ولتحيين الإتفاقيات المبرمة، لمواكبة المستجدات والتحولات المتسارعة التي تشهدها مختلف المجالات من جهة أخرى، وذلك بصياغة مشاريع اتفاقيات أو بروتوكولات أو مذكرات تفاهم، بلغت في مجموعها نحو تسعة عشر (19) مشروعا.
وبفضـل هذه الترسانة الهامة من الاتفاقيات المعتمدة، ومن مشاريع الأوفاق المنجزة ـ وقد بلغت في مجموعها نحو 55 اتفاقية وبروتوكولا ومذكرة تفاهم وبرنامج تنفيذي ومحضر ـ التي جاءت معززة ومدعمة للعلاقات السياسية الراسخة، فإن مستقبل التعاون والتشارك ما بين البلدين لينطوي على حظوظ زاخرة، ومقومات متينة للتطور والازدهار.
3 ـ فبفضل الإرادة السياسية القوية التي تحدو قائدي البلدين في تعزيز وتنمية العلاقات الأخوية، السياسية والاقتصادية والثقافية ما بين المملكة المغربية والجمهورية العربية السورية، واستنادا إلى المكتسب الزاخر لهذه العلاقات في مجالات التعاون كافة، وما يوفره من إطار قانوني مهيكل ـ فإن مستقبل العلاقات الثنائية مرشح بكل تأكيد إلى مزيد من التطور والنماء والازدهار..
وفي هذا الصدد، فإن الدورة المقبلة للجنة العليا المشتركة ستكشل منطلقا جديدا، متجددا، لتأخذ العلاقات الثنائية ما بين البلدين الشقيقين مسارا متصاعدا، متسارعا لرفع التعاون والتشارك إلى مستوى العلاقات السياسية المتميزة والممتازة.
وفي هذا الإتجاه، فإن تحيين وتفعيل << مجلس الأعمال المغربي ـ السوري >>، وتنمية العلاقات ما بين الغرف المهنية، التجارية والصناعية والسياحية والبحرية في كلا البلدين، وتكثيف اجتماعات اللجان القطاعية للتعاون، من أجل تحيين اتفاقيات التعاون القطاعي، وتفعيل البرامج التنفيذية المعتمدة، باتت تشكل محطات فاعلة، حاسمة في مسلسل التطوير والتفعيل للعلاقات الثنائية.
كما تشكل تنمية التعاون في ميادين حيوية، ذات أبعاد مستقبلية، كمجال حماية البيئة، وتنمية وصيانة الموارد المائية، ومحاربة التصحر وغيرها من الإشكاليات التنموية التي أضحت تفرض نفسها في عالم اليوم، مجالا حيويا لتبادل الخبرة وتعميق الرؤية ما بين البلدين الشقيقين.
ومن جهة أخرى، فإن تشجيع وتنمية التعاون ما بين فعاليات المجتمع المدني، من اتحادات ثقافية ورياضية وإعلامية، ومؤسسات حزبية ونقابية، ومنظمات نسوية وشبابية، وهيئات مهنية وغيرها، في كلا البلدين ـ ليشكلان رافعة قوية لتنمية التعاون وتعزيز وتمتين نسيج التعاون الثنائي.
ومن ثم، فإن ما يكتنزه مجال التعاون الثنائي من مقومات وحظوظ وافرة، وما ينطوي عليه من تطلعات ومطامح لا محدودة، ليفتح آفاقا رحبة في مسار التعـاون والتشـارك ما بين المملكة المغربية والجمهورية العربية السورية.
المصدر السفارة المغربية بسوريا