الحب بين المغاربة والمشارقة
عقدت «سيدتي» ندوة «الحب بين المغاربة والمشارقة» بنادي الصحافة بالرباط، بناء على ملاحظات راكمتها من شكاوى مستمرة من عدد من المغربيات حول الجفاء العاطفي الذي يعانين منه من طرف أزواجهن، مقارنة مع الأزواج المشارقة في التعبير عن الحب. فإلى أي حد يصدق هذا الحكم؟ وهل فعلاً أن الرجل المغاربي رجل جاف بطبعه لا يتقن التعامل مع المرأة؟.
أدارت الندوة: سميرة مغداد
لم نشأ في بداية الندوة أن نطلق اتهاماً مباشراً بل بدأناه بفتح نقاش أولي عن مفهوم الحب، خاصة بين الزوجين أو الخطيبين، وكيف نفهمه في حياتنا اليومية رغم أن المغاربة استاءوا من هذا الاتهام؟
يقول عبد العزيز الرماني (مختص في التواصل): هو شعور مثله مثل الخوف ومثل المشاعر الأخرى لكن فقط هو مرتبط بالأشياء الجميلة التي يشعر الإنسان أنها قريبة إليه.
أما الدكتورة فاطمة الكتاني (علم النفس) فتقول انه شعور وانفعال إيجابي يعطي نوعاً من الراحة والسعادة ويجعلنا نرى الحياة بلون وردي، وهو أنواع، هو ذاك الشعور اللطيف الذي يضم المودة والتقبل للآخر.
ويختزل د.عبد الرحيم العطري (علم اجتماع): مدخل البحث عن معنى الحب في النوع والدرجة، لأننا عندما نتأمل الحب كعاطفة وكشعور نبيل سوف نجد أنه من ناحية الدرجة يتربع على سلم القيم وعلى سلم العواطف الإنسانية، أما من ناحية النوع فسنجد له خاصية تميزه تضمن له الفرادة والاستثنائية مقارنة مع كل العواطف الأخرى، على أساس أننا حينما نتأمل المتن العربي الشعري سوف نجد أنه فصل طويل في الحب وأنتج لنا أنواعاً كثيرة من الحب، فهناك الهيام والعشق كلها تفضي إلى نوع من التوحد وإلغاء الأنا في سبيل الارتباط بالآخر وما يحيل عليه وذلك من قيم نبيلة وعميقة المبنى.
خالد مؤيد (فنان تشكيلي عراقي)
هو شعور يشبه بقية المشاعر التي يتسامى بها الإنسان.. يكسب به الإنسان إنسانيته ودافعه للوجود والاستمرار منذ أن بدأت الخليقة.. والحب كائن رقيق وشفاف وكل الظروف يمكن أن تقضي عليه، فهو مثل نبتة صغيرة دائماً تحتاج للرعاية والسقي والحفاظ عليها حتى تنمو وتجمع بين الأقطاب المختلفة بين رجل وامرأة والإنسان وأرضه.
الحب وحدوده
مؤيد يقول: في ثقافتنا بالعراق التي لها جانب زراعي بدوي تشدد على مفهوم الرجولة والشهامة، فهذه الشهامة تزيد بناءً على اهتمامه بالمرأة وتقديرها، فالمجتمع البدوي على الرغم من سيادة بعض السلبيات لنظرة المرأة للرجل إلا أنه يضم جوانب كثيرة إيجابية، تعطي المرأة الدفء والطمأنينة والاحتواء ووضعها في مكانة ترتقي بالغة السمو. فالوضع الطبيعي للمرأة هو أن تكون مصدراً للإلهام، وطبعاً هناك حالات كثيرة في بعض المناطق في الشرق ـ يضيف مؤيد ـ في الابتدائية تكون الدراسة مختلطة ثم في ما بعد ينفصل الأولاد عن البنات وبعد فترة الثانوي نعود لندرس جميعا في كليات مختلطة.
فترة القراءة خاصة الشعر والرواية تضيف لقاموس المخيلة مفردات جميلة شفافة، وتكون الفترة أجمل فترة لنمتلئ بالتعبير عن الحب فنخرج كل ما لدينا من مخزون من الكلام الجميل، ويبدأ التباري بين الشبان: من يملك أجمل لغة حتى يكسب قلب الفتاة؟.
إيناس الزهراني (24 سنة) طالبة سعودية: أرى أن الرجل الشرقي رومانسي جدا، حتى وإن خانه الكلام أحياناً فإنه يعبر عنه بالفعل عن طريق الهدايا والاهتمام في مناسبات كثيرة تجمع الزوجين، سواء المناسبة الخاصة أو مناسبات أعياد.. وأظن أن السبب يعود للبيئة، فالجزيرة العربية مهد الشعر العربي القديم الذي تغنى بالمرأة وعرف قصص الحب الأولى في التاريخ العربي. الرجل المغربي رومانسي لكن رومانسيته مختلفة تتلون بطبيعة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، قد تكون طريقة تعبيره مختلفة لا غير، لأنه في نظري الرجل الشرقي عموما صعب أن يعبر عن مشاعره للمرأة.
نسرين بن علي (جزائرية) طالبة: الفرق الأساسي بين المغاربي والمشرقي يكمن أساسا في اللغة لأن الرجل الشرقي يتمتع بلغة عربية فصحى تمثل أجمل وأحلى كلام قيل في الحب، وبالنسبة للدارجة المغاربية سواء في الجزائر أو تونس أو المغرب، هناك لهجات متعددة، فالمغاربي حينما يقول لحبيبته ويعبر عن عواطفه كيف يمكن أن يقول «أحبك»، يقول «كانبغيك» ولا أجد أي جمالية بصراحة في هذه الكلمة أو «كنحماق عليك» الكلام جاف لا يساعد على التعبير. بالنسبة للشرقيين لهم عبارات جميلة للحب وإن كانوا يعتبرون أحياناً أن كلماتنا لها خصوصية لأنها غريبة عنهم، لكن بالنسبة لنا نحن تبقى مستهجنة، ولو وجدنا شاباً في مستوى جامعي كبير وواع حين يقول لحبيبته «أحبك» يفضل استعمال «جوتيم» بالفرنسية، المغاربي مجبر على استعمال الفرنسية ليوصل هذا الشعور.
نور الهدى (مسؤولة عن التواصل بمسرح محمد الخامس بالرباط): هناك جفاف بالفعل في التعبير بالنسبة للرجل المغربي الذي لا يستطيع أن يعبر بسهولة عن مشاعره، أولاً مشكلة اللغة وثانياً التربية، فنحن نتربى في وسط عائلي جاف في التعبير عن المشاعر، فآباؤنا لا يعبرون عن حبهم أمامنا، ثم المحيط الاجتماعي لا يساعد على التعبير لأننا نرى فيه نوعاً من العيب أو «الحشومة» كما يقال في التعبير المغربي الدارج، فحتى حينما مثلاً يأتي الأب من السفر لا نرى حرارة في اللقاء، فالأب يسلم على زوجته سلاماً عادياً. وما زال عندنا تحفظ اجتماعي، فحتى حين يسأل رجل مثلاً صديقه أو قريبه لا يسأل عن الزوجة فيقول «اش خبار الدراري» أي الأطفال فهي تضاف إلى الأطفال وما زال الكثيرون لحد الآن لا يستطيعون حتى السؤال عن أحوال المرأة الزوجة.
الحب والضعف
د. (العطري): أعتقد أن لكل مجتمع طريقته في التعبير عن الحب، فما يبدو في المغرب بأنه جفاف وجفاء قد يكون أكثر عاطفية مما يبدو لك في منطقة أخرى. ولكن لدينا قواسم مشتركة ما بين الخليج والمحيط، هذه القواسم هي أننا كلنا نرتكن إلى ثقافة يتألق فيها المجتمع الذكوري. ونادراً يجنح الرجل إلى الاعتراف بأنه يحب فقد ربي منذ البدء على أن الحب يساوي نوعاً من التعبير عن ضعف الرجل، فالرجل منذ البدء عليه أن يغذي رسائله الرمزية والمادية في اتجاه كسب الاعتراف برجولته، ولهذا حينما يجنح إلى التعبير عن الحب ويقول «أنا أحبك» شيء ما يهدر رجولته، هذا ما يتم داخل النسق المغربي، لكن أن نقول ان الرجل في المشرق أكثر عاطفية ورومانسية من الرجل المغربي، هذا ربما بالنسبة لي خطأ في القول وفيه نوع من الاعتساف والتسرع في إصدار هذه الأحكام وإطلاقها.
مؤيد (عراقي): هناك سلبيات كثيرة في مجتمعاتنا بالشرق العربي، رغم هذا السقف المحدود للمرأة، هناك نوع من الحماية والأمان يتوفر لها، فإحدى الملاحظات الغريبة مثلا التي رأيتها هنا في شارع رئيسي بالرباط فتاة وشاب تعاركا بحدة. المشكلة التي فاجأتني هي أنه لا أحد تدخل. فعندنا مثلاً في العراق لو حصل هذا المنظر تصير مشكلة حقيقية ويتدخل المارة لوقف ما يحصل من هذا الرجل.
نادية المهيدي (أستاذة بالمعهد العالي للاتصال): بعض التدخلات حصرت عاطفة الحب في الإنسان، الحب ليس حكراً على الإنسان، لنا صور وتمثلات جميلة في عالم الحيوان وحتى في الحشرات، وهناك عالم فرنسي تحدث عن الغرام في مجال الحشرات، فالكائنات كلها تحتاج للحب وتعيشه، ثم ان قناة اللغة ليست قناة وحيدة للتعبير عن اللغة، وهناك كتاب عن سوسيولوجية الكسكس عند المغاربيين، حيث خلص الباحث أننا الوحيدون الذين نصنع الكسكس المدفون وهو تعبير عن خصوصية محلية هو أننا نعبر عن الأشياء بالرمز والمسكوت عنه.
عمر أوشن (صحافي): هناك كثير من الناس يعتقد أن الشرق له قدرة أن يعبر شعرياً من خلال أغاني الشرق وشاعر الحب نزار قباني وأغاني أم كلثوم وعبد الحليم وغيرهم من الرواد.. يجب مثلاً الانتباه إلى اللغة الأمازيغية في الأطلس أو في الريف، فالتعابير التي تقدمها الأغاني جميلة وفيها رموز إبداعية راقية جداً وتحمل أبدع ما قيل في كلام الحب والهيام.
عبد اللطيف الصيباري: أتحدث هنا بحكم معرفتي بكثير من المشارقة والأشقاء العرب، فقد عشت معهم وعرفتهم عن قرب، أظن أن الفرق بين المغربي والمشرقي في التعبير عن الحب هو أن المغربي كما أعتقد أكثر وضوحا بحكم مجموعة من العوامل أولها دخول الاستعمار الفرنسي الذي يختلف عن الاستعمار الانجليزي في الشرق الذي رسخ بعض المجاملات، في المشرق مثلا يطلقون كلمة «حبيبي» على كل شيء، فحينما تتعارك مع أحدهم يخاطبك بكلمة «حبيبي» لم فعلت هذا؟ هل هذا يعني أنه يحبني فعلا؟ وعندما تلتقي بأي مشرقي في باب العمارة قد يدعوك بسهولة ويقول «تفضل للبيت» هي مجاملة لكنها لا تعني أنه يريدك أن تدخل بيته فعلاً.. هناك فرق على مستوى المجاملات لا التعبير.
المشاركون:
< عبد العزيز الرماني (مختص في التواصل)
< الدكتورة فاطمة الكتاني (علم النفس)
< د.عبد الرحيم العطري (علم اجتماع)
< خالد مؤيد (فنان تشكيلي عراقي)
< نادية المهيدي (أستاذة بالمعهد العالي للاتصال)
< محمد زيان (وزير حقوق الإنسان سابقاً ونقيب المحامين بالرباط)
< إيناس الزهراني (24 سنة) طالبة سعودية
< نسرين بن علي طالبة جزائرية
< نور الهدى كمال (اختصاصية في العلاقات العامة)
< عمر أوشن (صحافي)
< عبد اللطيف الصيباري (مصور صحافي)
الكاتب والحب
الكاتب المغربي عبد القادر الشاوي يقول:
> أرى أن للمغاربة تقاليد مختلفة لقصص الحب، ولو أنها غير مكتوبة، يمكن استنباطها من الحكايات الكثيرة الواردة في كثير من الكتب التي تعرضت لسير بعض الأفراد في علاقتهم بالمرأة وبمفهوم الحب الذي يمكن أن ينشأ بينه وبينها بحسب الظروف والأوضاع والمناسبات والعصور كذلك.
أما السلوك المميز لعلاقة الرجل المغربي بالمرأة، فمطبوع من الناحية الشعورية بالدونية وسيادة الذهنية الذكورية ذات الطبيعة الاستبدادية التي لا تقيم أدنى اعتبار للآخر المختلف المتميز المستقل… إلخ دون أن يعني هذا أن وجود هذه الذهنية تمنع قيام جميع أشكال الحب أو العلاقة الممكنة بين الرجل والمرأة، إنما يعني فقط أن جميع أشكال الحب المفترضة في العلاقة بين الرجل والمرأة تتأثر بتلك الذهنية فتحيل مفهوم الحب، في كثير من الأحيان، إلى قهر.
مغالطة
أ. محمد زيان (وزير حقوق الإنسان سابقاً ونقيب المحامين بالرباط):
أتفاجأ من كلامكم حول الحب لأن الحب ليس كلاماً، هو سلوك بالأساس.. أن أقول «حبيبي» واقفل عليك الباب وأخرج لأفعل ما أريد فهذا شيء آخر، المرأة في المغرب يمكن فعلا أن تتعارك في الشارع وتدافع عن نفسها لأن هناك حرية تتمتع بها.. في اليابان المرأة مقدسة ولكن ليست لديها أية حرية، وأنت تمضي في اتجاه الغرب تصل كندا، هناك إذا قلت لامرأة «حبيبتي» يمكنها أن ترفع عليك دعوى قضائية باسم التحرش الجنسي، لأن هناك مساواة حقيقية، وفي هذا الاتجاه لا أعتقد أننا في حاجة لمن يلقن المغاربة دروساً حول الأمر، يمكن أن نأخذ دروساً من الغرب كعرب جميعا. أن يأخذ المغاربة دروسا في التعبير عن الحب من الشرق فالأمر فيه نوع من المغالطة.
أ. عبد العزيز الرماني: صحيح أنه لا جغرافية للحب إذا كنا نتحدث عن الشعور، فحتى الذي لا يتكلم فهو يعبر عنه، في المغرب الاتهام الذي نزل على المغاربة هو فيه جزء من الصح.. لأننا كشباب نغالط أنفسنا بالمسلسلات المصرية.. نغالط أنفسنا بأغاني عبد الحليم وغيرها أو شعر بدر شاكر السياب وقيس وليلى في الجزيرة العربية، وربما لهذا السبب نقول ان الحب موجود في الجزيرة العربية لأنه مرتع الشعر، هناك تعبير في المشرق هذا أكيد، لكن في المقابل هناك مشاكل ترتبط بالإعلام وبالتربية وبالواقع الاجتماعي فمثلاً لا يمكن للرجل في الكويت والسعودية أن لا يعبر عن الحب في وجود رغد العيش، وفي الغرب أيضا هناك مجال للتعبير أكثر عن المشاعر لأن الدولة تكلفت بكل الأعباء المادية من تغطية صحية ويومية.. في الدول المغاربية هناك هموم اقتصادية وحياتية تجعل التواصل الزوجي صعب التحقق، لأن هناك تفكيراً دائماً في أعباء الحياة».
الدكتورة فاطمة الكتاني: الحب للآخر هو تعلق ومزيج من الشعور بالغضب والخوف والحب، يعني أن الحب ليس ثابتا فهو يبدأ من التربية، فعلاقة الآباء بالأولاد إذا لم تكن سليمة وتسودها قسوة، نجد الأب داخليا يقول انه يحب ابنه لكن الابن تصله رسالة أخرى وهي أن والده لا يحبه، في غياب التعبير عنه، هنا يزرع نوعاً من الخوف والعنف لدى هذا الابن أكثر من الحب، أي يكبر وهو يعتقد أن والده لا يحبه. وحتى حالة البنت، فإذا كانت علاقتها مع الأب يغيب عنها التعبير العاطفي معناها في المستقبل مع زوجها لن يكون لديها تعبير عاطفي طبيعي. هناك نقطة أخرى هي أن التعبير بالكلمات عن الحب يأخذه 8 في المائة فقط بين الرجل والمرأة، فالتعبير يأخذ أشكالاً أخرى بنبرة الصوت وبلغة الجسد. فيمكن لرجل إذا وضع يده على ظهر زوجته، فهو يوصل لها كمية كبيرة جدا من الحب، نظرة من العينين وطريقة القرب منها أو البعد.. إلخ.
مواقف مغربية عن الحب
> زوجة مغربية مريضة ويرعاها زوجها باهتمام كبير وحين يقول لها ألم تموتي بعد؟ تغضب وتنفجر ضاحكة.
> زوجان عمرا في الزواج مدة طويلة وكبرا معا وفي المرض كانا يقتسمان فراشاً واحداً ويغنيان لبعضهما بعضاً.
> زوجة حامل في مقتبل العمر توفي زوجها فجأة بسكتة قلبية ومباشرة بعد سماعها الخبر توقف قلبها وماتت حسرة عليه ودفنا معاً، حصل هذا دون تعابير، هما من منطقة جبابرة واعتبرهما سكان القرية للحب الطاهر الذي يدوم إلى الأبد.
> زوجة أخرى توفي زوجها بعد عشرة عمر دامت 45 سنة، وحين توفي قبلها، طلبت من أولادها أن يحفروا لها قبراً إلى جانبه لكي تدفن بجواره، وبالفعل ماتت حزناً عليه وهي لم تتم بعد أيام العدة.
> شخص كان يعمل في المجلس البلدي تزوج فتاة لم تكن تحبه، بل تزوجته تحدياً لشخص آخر كانت تحبه، ولكنه أحبها فعلا وعاش معها بصدق دون أن تتمكن هي من أن تبادله نفس الشعور فحصل أن ضبط خيانتها له، ومن كثرة حبه كان خطابه لها يوم الطلاق هو «يكفيني انك أسعدتني في المدة التي قضيتها معك» ليقول أمام الشرطة: وكيف يمكن أن أجازيك عن هذه السعادة؟ لكن حصلت مشاكل فيما بعد حاولت بعدها الفتاة الانتحار ففتح التحقيق ورفض الزوج بتاتاً أن يمس سمعتها بسوء أو يروي للشرطة ما حصل منها ليسترها، بل أن عائلة الزوجة اتهمته هو بالإساءة إليها.
> زوجة رحلت إلى دار البقاء 40 يوماً بعد وفاة زوجها كمداً عليه، كانا لا يفترقان، بلغا سن السبعين ويصران على أن يذهبا معاً للسينما ويستمتعا بحياتهما إلى آخر لحظة لدرجة أنهما أصبحا نموذجاً لعوائل بأسرها.
> يحكى في بعض المناطق أن الرجل حين كان يطلق زوجته لظروف قاهرة ماذا يفعل؟ يطلقها ويزوجها لرجل آخر يثق فيه، بل ويصرف على زفافها لكي يطمئن أنها لن تكون لقمة سائغة لعائلتها أو مجتمع لا يرحم.
الحب والزواج
الحب قبل الزواج مختلف في أي مجتمع، لأن ثمة نوعاً من الحرمان، والرجل يفعل المستحيل ليصيد امرأة يريد أن يصل إليها، فهو يستعمل جميع التعابير وله عاطفة جياشة لأنه يعيش الحرمان. بعد الزواج يتحول الحرمان إلى واقع، فالعلاقة هنا تبنى بين الطرفين، فلا يمكن أن يعبر الرجل عن الحب والمرأة لا تعبر عنه.. هو شيء متبادل يبنى خطوة بخطوة حتى نتمكن من بناء علاقة فيها محبة ومودة وعائلة وليس حب الهيام والغرام الذي يكون قبل الزواج.
د. العطري (علم الاجتماع): عندما نتأمل المجتمع المغربي ونتأمل بعض التفاصيل الصغيرة سوف نجد أن الرجل المغربي يدمن الحب أكثر من أي شخص آخر، وأعطي مثالاً بسيطاً وهو مصطلح «مولات الدار» الذي يحيل على سلطة رمزية يعطيها الرجل للمرأة، يعني تملك الفضاء وتملك تدبير زمن العائلة وكل شيء. مسألة أخرى نعاينها في المجتمع القروي، من يمتلك المفتاح القديم الذي يضم كل وثائق الملكية والعقود؟ المرأة بطبيعة الحال.. فلكل مجتمع طريقته المثلى للتعبير عن الحب ولا يمكن فقط الاستناد إلى اللغة.
نور الهدى: تساؤلي هو هل الحب قبل الزواج يؤدي حتماً إلى الزواج؟ الفشل في حب قبل الزواج يمكن أن يؤثر على حياة بأكملها ويكسر الحب كقيمة حتى بعد الزواج، في المغرب يطرح هذا المشكل لأن البنات يتورطن أولاً في قصص حب قبل الزواج ويصلن سن الثلاثين دون أن يكون لديهن نموذج لهذا الحب، وهذا إشكال حقيقي، فهل يتزوجن عن حب أم يجب أن يتزوجن بأي طريقة لأن المجتمع يريد منهن ذلك؟ هناك حالة ضياع فعلي.
أ. نادية المهيدي: في العلاقة بين الطرفين هناك من يتسلح بالحب قبل الزواج ليغذي الزواج.. حيث يرى أنه من الضروري أن يتسلح بترسانة من المشاعر وأساليب التعابير مثل الورد والعطر وتذكر تواريخ معينة تجمع بين الطرفين.. فهما يشعران معا أنهما مجبران على بذل هذا المجهود ليكونا في مستوى اللقاء، ومن بعد يصبح الأمر تحصيل حاصل. لكن ليس كل الأزواج يذهبون في هذا الخط الروتيني، بل هناك من يحرص على ايجاد جو من الحميمية ويمكنهما معا أن يجدا دائما وقتاً لتغذية الحب بينهما بالتشارك بهذه المشاعر مثلا تخصيص وقت من اليوم أو في الشهر أو في السنة بعيدا عن الأولاد مثلا..
أ. عبد العزيز الرماني: هناك أزمة في الخطاب التواصلي في المغرب انطلقت من الفرد الصغير إلى الحكومة.. ليس لنا تواصل مع الآخر.. نحن في حاجة إلى أن تكون لنا أسرة لها تعابير في الحب لأن هناك تطوراً، فالرجل يستطيع أن يخاطب امرأته بكلمة «حبيبة» اليوم، وهي كلمة جديدة أو «الكبيدة»، هناك أزمة في التعبير الشامل، فهناك كتاب يتحدث عن أن الفرنسيين أنفسهم لهم مشكل في التعبير مع بعضهم البعض وأكبر مشاكلهم هي في الجزئيات «لم تسمعيني جيدا» هل تسمعين؟ فوجدوا أن أغلب حالات الطلاق تحدث بسبب هذه الجزئيات وليس لسبب رئيسي.. والمجتمع المغربي نفس الشيء فالكلمات التي تتكرر بين الأزواج وما يسمى «النكير» هي من قبيل «أين قميصي الأحمر؟ أين وضعت جواربي؟ فتش جديا يا أعمى؟» هذا واقع في الحياة.. فالمرجعية الاقتصادية والدينية والتاريخية فرضت نفسها على الأسرة وعلى الخطاب التواصلي المغربي.
د. العطري: كلنا محتاجون إلى مساحات كثيرة من الحب ومسافات عريضة منه، لأنه في ظل هذا الزمن الذي ينمسخ يوما بعد آخر ويسير في اتجاه التحول نحو كائنات مجردة من العاطفة، الإشكال هو لماذا لا يعمر هذا الحب طويلاً في ما بين الفترتين؟ السبب في اعتقادي هو في شروط إنتاج هذه الزيجة هل كانت منضبطة لعاطفة نبيلة تقوم أساسا على الحب أم كانت مصالحية بامتياز؟ فإذا كانت المصلحة هي الشرط فمن المنتهى أن تكون تلك الحياة الجليدية المفرغة من قيمة الحب.
الحب وتعبيره
نور الهدى:
> اعتناء الزوجة بفطور أبنائها.
> تذكر الزوج لموعد دواء زوجته.
> حين يؤدي فواتير الهاتف والماء والكهرباء بوقتها.
> حين تطلب منه أن تشتري شيئاً ولا يرد لها طلباً.
مؤيد: الحب توابل الحياة، بالأزمات نختبر الحب والعلاقة الحقيقية وتطغى فوق التفاصيل وفوق كل الكلام.
عبد اللطيف الصيباري: نحن نعجز فعلاً عن قول كلمة «أحبك» في المغرب العربي ولكن نترجمها إلى سلوك واهتمام على خلاف المشرق قد يقولها بسهولة دون أن يشعر بها أحياناً.
زوجته نجاة: لا أحتاج لكلمة «أحبك» لأنني هكذا تربيت، التعبير عن الحب هو في اهتمام زوجي بي وبعائلته وبيته.
أ. عبد العزيز الرماني: حذار من اللغة أيضا، فقد تخفي الرومانسية أشياء غريبة جداً فتصبح مستهجنة.
إيناس: المرأة السعودية لا تبادر إلى التعبير عن الحب، المبادرة في أغلب الأحيان تأتي من الزوج فهي لا تزال تؤمن بحماية الزوج لها.
نسرين (تعقيب): لا أعتقد أن الرجل الذي يلتزم بأن يحقق متطلبات زوجته المادية أو منزله أنه يعبر لها عن الحب.
نادية المهيدي: هناك بعض الفروقات حتى على مستوى مناطق المغرب في التعامل مع المرأة، فالفاسي مثلا له هذه الثقافة ويحاول ما أمكن أن يحافظ على تعبيرات يومية عن الحب والبيضاوي لا يستطيع والريفي أيضا.
السياسي والحب
السياسي محمد زيان تحدث عن تدبيره للحب في حياته قائلا: رجل السياسة يحتاج إلى كثير من الحب من زوجته وعائلته أكثر مما قد يمنحها هو، فرجل السياسة معرض لانتقادات لاذعة ولحملات أحياناً على صفحات الجرائد قد تمسه شخصياً، وبالتالي تؤثر على حياته وعائلته، لذا فمحيطه العائلي لا بد أن يكون محصناً بكثير من الحب ليمنحوه قوة الاستمرار. هناك نظرية المراحل كما يقول ابن خلدون، الحب يعبر بمراحل نزول وصعود، فقد ينزل حب الرجل في الوقت الذي يصعد فيه حب المرأة له وقد يحصل العكس، لكن الأساسي هو أن تلعب هنا الذاكرة دورها ويتذكر كل طرف الفترة الخصبة في حياة هذا الحب ليتحمل الطرف الأضعف هذا التغيير.
الحب شعور لا يتحكم فيه أحد، الحب أن تنتظر من تحب بشوق ولهفة وأن تعتقد أن كل سيارة تمر أمامك وأنت تنتظر من تحب هي التي تحمل حبيبك.
توصيات
1 ـ تعلم لغة الحب وممارستها في الحياة الزوجية، الحب يجب أن يكون سياسة يعرف فيها كل من الطرفين (الزوجة والزوج) متى يتكلم ومتى يصمت وماذا يقول.
2 ـ لا بد من التعبير بكلمة رقيقة أو لمسة أو نكتة أو ابتسامة لأن الكلام الحلو بهارات ضرورية لتغذية العلاقات الإنسانية.
3 ـ التعبير الصادق بعيداً عن النفاق الاجتماعي.
الإعلام المغربي مطالب بمصالحة المغاربة مع الحب بما يلي:
> تكريم نماذج وقصص وصور للحب في الدراما والفن عموما.
> تصحيح العلاقة بين الرجل والمرأة من علاقة مواجهة إلى علاقة مودة وتواصل.
> أن نقول «أحبك» باللغة وبالسلوك أو بالتواطؤ كلما أحسسنا بحاجتنا للحب.
اخواني ارجو المعذرة اذا كان الموضوع طويل ولكن كان لابد من طرحة كاملا
لكم مني كل التقدير والشكر
__________________
كل الحب والتقدير للجميع