«يا مال الشام».. نكهة دمشقية في قلب الرباط..
زبائنه من فئة الذواقة
قبل سنوات لم يكن المغاربة يعرفون شيئا عن الطبخ الشرقي، الا من خلال ما يظهر في مشاهد المسلسلات التلفزيونية، مثل الكبسة والكبة، لكن وبفضل المطاعم الشرقية التي افتتحت في الرباط صار المغاربة يعرفون أسماء العديد من هذه الاكلات، وافتتح اول مطعم شرقي في الرباط اواخر عقد التسعينات من القرن الماضي، بشارع علال بن عبد الله، وصاحبه فلسطيني، اختار «الفانوس» اسما لمطعمه الصغير، الذي يقدم عددا من المقبلات الشرقية وعلى رأسها الشاورما، الى جانب بعض الوجبات العصرية الخفيفة مثل «البرغر».
وتحمل المطاعم الشرقية في الرباط اسماء متميزة ذات رنة موسيقية، مثل «ميجانا»، و«يا مال الشام»، و«صيدون».
ويعد مطعم «يا مال الشام» المستوحى اسمه من الاغنية الشهيرة للمطرب السوري صباح فخري، احد المطاعم المتميزة التي تقتصر على تقديم وجبات من المطبخ الدمشقي التقليدي، دون المزج ما بينها وبين أي نوع آخر من المأكولات، سواء المغربي او الاجنبي.
افتتح المطعم عام 2001 بشارع يحمل بدوره اسما لا يخلو من دلالة وهو «المغرب العربي»، احد الشوارع الرئيسية المتفرعة عن ساحة «باب الاحد» القلب النابض للمدينة العتيقة.
«عند افتتاح المطعم لم يكن يوجد أي مطعم آخر في هذا الشارع»، يقول محمد قرقور، ابن صاحب المطعم، الذي يشرف على التسيير الى جانب والده الذي كان موجودا في سورية أثناء زيارتنا للمطعم، لكن و«بفضل الاقبال الكبير للزبائن، من مختلف الجنسيات العربية، الى جانب المغاربة والاجانب، افتتحت على طول الشارع مقاهٍ ومطاعم كثيرة، حتى صار الشارع يقصده كل من يبحث عن مكان لتناول وجبات الغداء او العشاء، من مختلف اصناف الطبخ المغربي والاوروبي، وظل «يامال الشام» المطعم الشرقي الوحيد، يضيف قرقور.
اما فكرة افتتاح مطعم لتقديم الوجبات الدمشقية في العاصمة الرباط ، فلم تكن تحتاج الى تخطيط كبير،من طرف هذه العائلة السورية المقيمة في الرباط منذ 23 عاما، فوالدة القرقور هي صاحبة الفكرة ،بعد ان لاحظت استحسان واعجاب ضيوفها وجيرانها المغاربة بالأكلات المتنوعة التي كانت تقدمها لهم في بيتها، ومن ثم انطلقت الى التنفيذ، حيث ما زالت الام هي التي تقوم بمهمة الطهي في المطعم بمساعدة احدى الفتيات المغربيات التي تعلمت على يديها.
وعند دخول المطعم تجد الاجواء الشرقية مخيمة على المكان،من خلال الديكور والانارة، والكراسي والطاولات المصنوعة من الخشب المنقوش.
اما بخصوص الوجبات المقدمة للزبائن، فقد تم انتقاؤها بعناية بعد تجريب مجموعة منها، ومدى تقبل الزبون المغربي لها، حيث تم استبعاد بعض الاكلات مثل «الشاكرية» وهي لحم مطبوخ في اللبن (الحليب)، لان الكثيرين لم يتقبلوا طعم هذه الاكلة لمجرد انها تقوم على فكرة المزج بين مذاق اللحم والحليب، كما قال القرقور.
اما المأكولات الشامية التي ظلت موجودة على قائمة الطعام فهي كثيرة، مثل الكبسة باللحم او الدجاج، و«الكبة» التي تحضر على شكل كرات مصنوعة من مزيج من البرغل واللحم المفروم والبصل واللوز، ثم يتم قليها في الزيت، و«المقلوبة» المحضرة بالارز والباذنجان والجزر، و«الفلافل»، واكلة «المتبل» و«الملفوف»، و«البامية»، و«الفريكا»، وهذه الاخيرة تحضر من قمح سوري لونه اخضر، و«بابا غنوش» وهو متبل الباذنجان،وغيرها من الأكلات.
وفي صنف المشاوي يقدم المطعم «شاورما» الدجاج او اللحم التي انتشرت محلات بيعها في الرباط بشكل واسع، حيث عرفت اقبالا كبيرا عليها. كما يقدم الكباب، و«فروج» مشوي، و«شيش طاووق»، وهو عبارة عن دجاج محمر في الفرن بعد تتبيله بالثوم والخردل والليمون، وزيت الزيتون.
اما السلطات فأشهرها «التبولة» المصنوعة من البقدونس والبرغل والبندورة، وسلطة «الفتوش» المكونة من اوراق النعناع، والخس، والبقدونس، والخيار، والطماطم، والفلفل الاخضر، والليمون، والبصل، والخل، وشرائح الخبز، وزيت الزيتون.
ويقول قرقور إن 80 بالمائة من التوابل والبهارات المستعملة في الاكلات يتم استيرادها من سورية، لان بعضها غير متوفر في السوق المغربي مثل «الهيل»، كما ان الارز المستخدم في الكبسة والمميز بحبته الطويلة، يستورد من السعودية.
اذواق الزبائن تختلف، وكل واحد منهم يفضل أكلات معينة، فالمغاربة لم يكونوا يعرفون من الاكلات الشرقية سوى «الشاورما»، يقول قرقور، لكنهم اصبحوا الان يفضلون الكبسة بالدرجة الاولى، ثم في المرتبة الثانية «المقلوبة»، و«الفريكا»، اما الشرقيون من مختلف الجنسيات العربية، فيفضلون «المتبل»، و«الحمص»،و«التبولة»، والمشاوي، بينما الأجانب يقبلون على تناول المتبل، والحمص، والتبولة، والمشاوي أيضا.
ويؤكد قرقور، ان لا وجود لأي منافسة بين «يا مال شام» والمطاعم الشرقية الاخرى، فالاول متخصص في الطبخ السوري لا غير، والمطبخ السوري يتميز بان له «نوع من النفس» على حد تعبيره، فهو ليس مجرد مزج خضر ولحوم وبهارات، بدليل ان الوصفات لا تخضع لمقادير محددة من كل مادة مستعملة، بل حسب خبرة «ونفس»، كل من يطبخ، و«هذا ما يجعل الاكل السوري يختلف من بيت لآخر». وعندما طلبنا منه عقد مقارنة بين الطبخ المغربي والسوري، قال قرقور، إن المقارنة غير موجودة، «هذا طيب، وهذا طيب»، كما انه لا علاقة تجمع بين المطبخين، فالسوري يعتمد على الارز، والمغربي على المرق والخبز.
زيارة «يا مال شام» لا تعني تناول وجبة غداء او عشاء، بل يمكن الاكتفاء باحتساء القهوة السورية المتميزة المذاق، وتذوق الحلويات الشرقية اللذيدة المصنوعة من الفستق واللوز، مثل «البقلاوة»، و«البسبوسة».
وبسبب سمعة المطعم، اصبح يستقطب شخصيات معروفة من وزراء مغاربة وسفراء عرب واجانب، ويقول قرقور إن السفير الاميركي في الرباط يعتبر احد زبائن هذا المطعم السوري، وهذا يؤكد ان دبلوماسية الأكل لا تأبه بأي خلاف سياسي.
يقدم المطعم خدماته ايضا لمن يرغب في تنويع قائمة الطعام المقدمة في حفلات الزفاف،فعدد من المغاربة أصبحوا يفضلون تقديم اطباق شرقية في اعراسهم مثل الكبة والشاورما والفلافل،الى جانب الاطباق المغربية،بعدما كان المغاربة الى زمن قريب، يقول قرقور،بعيدين كل البعد عن المطبخ الشرقي، ولا تجد على موائدهم سوى الاكلات المغربية او الاوروبية.
ملفوف..
كبسة لحم..
صحيفة الشرق الأوسط..