التقديرات متباينة، لكن المؤكد أن أسطوانة الحب، لم تعد تدار بالقلب فقط، بل بالجيب تحديدا ويقول حديث الواقع، إن الحب عمل شباب، يمكن أن يتغير ويتلاشى ويضيع، وإذا تحول إلى مشروع زواج، يصبح شيئا آخر غير الحب، ربما النضج أو المسؤولية، أي أن الإمكانيات الحياتية، هي التي تجدد مبلغ وحجم التغييرات في الحب، وربما قد يتأثر قليلا أو كثيرا، ويمكن أن يتحول، مرة واحدة إلى جفاف ويباس.
البطالة ليست شرطا لعدم الوصول للحب
ويمكن أيضا أن يتعمق الحب ويزيد مع الزواج، وهي حالة تكون عادة مقرونة بحجم الإصلاحات والترميمات، والموانع المانعة والصادة لنذرة الإمكانيات أو الخصاص والعوز المالي.
فمتى حل الفقر زادت مشاكل الحب، وغرق في الشكاوى، والأخطاء والعيوب، والاتهامات المتبادلة لذلك، فإن الحب صفة لا تحتمل مجاورة الفقر، لا تقبل التعايش معه، والتستر على مزالقه وتجاوزاته.
الحب الملازم للمال.. يبقى ويصمد ويؤسس لقيم الاستقرار، والتطور، والحب المقترن بالإفلاس وفراغ اليد والبطالة والانتظار، معدل عمره قصير، يشحب بسرعة، يصاب بداء فقر الدم، وسوء التغذية، ونقصان المناعة، ويمكن لأبسط مرض أن يعرضه للموت.
السبب هو الأزمة.. وكل امتداداتها الكالحة مجرد أزمات تتنوع فيها المواضيع والأسماء، لكن جوهرها، الحاجة إلى العمل والمال والسكن، أي إلى مقومات الحياة عموما.
وهناك عشرات النماذج من الشباب العاطل عن العمل، الذين ذاقوا مرارة الحب ولم يخلفوا وراءهم إلا أخبار الفشل.
لكن كم من حب انطفأ في حضرة الأزمة، وبشهادتها، ولم تشفع لأي من الطرفين انتماؤهما لوضع اقتصادي واجتماعي.
تتراكم مواجعه وتزيد..في زمن الأزمة تتلاشى الحدود، وتختلط الألوان، وتصبح الغرابة من عاديات ونواميس الوقت، وتشحب الأحلام، تختلط المواسم، ويحل الظلام في غير ساعاته، وتغزو التجاعيد وجوه الشباب، ويفكر الأطفال بلغة الكبار، ويصبح الحب حالة تبعث على الخوف، والريبة والشك، تختلط مفرداته وأسماؤه بلغة الصرف، وأسعار الخبز والكراء، والماء والكهرباء.
يصبح الحب لعبة قمار، قد يخسر الداخل إليه في أول الطريق، وقد يحصد كل الأرقام أو بعضها، وكلها أمور تفسد الحب، وتعرضه مجالا للمضاربة والسمسرة والارتزاق، حيث يتلون المحب ألف مرة، ويتمرغ في شفاء الحب، وقد لا يصل، إلا بعد أن يغزو الشيب بشعره، وتفتك بوجهه التجاعيد، حتى إذا فاق كل التضحيات والمكابرات، ونال حياة زوجية، وخلف أبناء تكون علاقته بهم أشبه بعلاقة حب بأحفاده، يفضل أن يحكي لهم قصص البطولات عوضا عن اللعب معهم، والعلة في الأزمة التي نالت من كل شيء، وحطمت كل شيء، وأضحت قدرا يخلط بين الأعمار، والبرامج والعراقيل والانتظارات الحكومية، وحصص القروض الدولية، وغول المديونية.
والحق أن الحب لم يعد يدرك إلا في شقائه، وغرابته، وامتدادات غلاء أسعاره، إلى درجة أنه ما إن يذكر اسمه، حتى تقفز في الذهن سلطة الأرقام وأزمة النمو، والاكراهات، لكن رغم ذلك فحصته وازنة رغم الانتقادات والقيود، لأن الحب حالة روحية..هذه بدايته ومنطلقه..
الحب لا يتطلب إذنا مسبقا لكي يطرق باب القلب ولا يكتفي بالعيش بمفردات الغزل وحدها، بل يتطلب أكثر من ذلك في وضع اجتماعي لا يرحم، لا يبرر ولا يداري، لذلك فالبطالة ليست شرطا لعدم الوصول إلى حالة الحب، لكن قد تستطيع بالكاد كسب قلب امرأة بشك مؤقت ومحدود...
__________________

كل الحب والتقدير للجميع