أسطورت "غونجا"
"غونجا" أو كما يسميها البعض "تاغونجا"، هي الوسيلة التي تلجأ إليها الفلاحات في المغرب لطلب الغيث وقطرات المطر كلما انحبس وعطشت الأرض والدواب.
تراهن ماشيات حافيات الأقدام في مواكب يتقدمها الأطفال والصبيان تيمنا ببراءتهم وقربهم من الله باعتباره "أحباب الله"، وقد حملن رايات وأسمال وهن يرفعن شعارات خاصة بالمناسبة.
"غونجا" هي اسم لشخصية أسطورية ما تزال تعيش وتعشش في المعتقد الشعبي المغربي وفي مخيلة نساء البادية ورجالها الذين لا يمكنهم الكسب من دون مطر لاعتمادهم على الفلاحة بدرجة أولى. وهي وسيلة للتبرك ما يزالون يعتقدون بها وبقدرتها الخارقة على مساعدتهم على طلب الغيث وأمطار الخير والنماء.
يعمد أهالي دواوير البادية خاصة النساء منهم، إلى الاستعانة ب"الطراحة" أو "الرماية" المستعملة في طرح العجين في الفرن، إذ يقمن بتلبيسها زيا نسائيا تقليديا عادة ما يكون مستعملا أو باليا، ويضعن منديلا ليشكلن به الرأس حتى توحي للرائي بخيال امرأة، فيرفعونها في مسيرة تكثر فيها النساء والأطفال وجهتهم مسجد الدوار أو أحد أضرحته.
"يا ربي غيثنا حتى يقطر بيتنا.."، "غونجا يا مونجا واللي طلبناه راه جا.."، "الفولة عطشانة سقيها يا مولانا.."، "غونجا، يا ربي جيب الشتا بالغربي.."... بعض من مجموعة شعارات ترفعها وترددها نساء "غونجا" وهن يمشين حافيات وأعينهن إلى السماء طلبا للغيث أو يرششن الماء على بعضهن وعلى الأطفال.
يفعلن ذلك على مسافة طويلة عادة ما تكون من دوار إلى آخر حيث ضريح أو مسجد تقام فيه الصدقة التي هي عبارة عن عجل تكتتبن فيما بينهن لشرائه، يعمدن إلى الطواف بالضريح أو المسجد شريطة أن يكون عدد الدورات فردية ووترية، قبل العمل على اقتسام لحم الذبيحة أو توزيعها على شكل أطباق من الكسكس.
يقول "ابا عمر" رجل تعدى الستين ومنحدر من إحدى قبائل جبال الريف في شمال المغرب، "الشتاء كنطلبوها من الله، لكن غونجا بقات عادة كبرنا عليها. وكنسبقو النساء والصبيان باش ربي كيرحمنا"، مشيرا إلى أن الطواف بالمسجد ضروري أن يكون عدد دوراته وترية لأن "الله وتر ويحب الوتر".
أما زوجته "أمي شامة" المنحدرة من نواحي منطقة الحياينة بتاونات، فتؤكد "فين ما نديرو غونجا ربي كيجيب التيسير والشتا وكيرحمنا على وجه داك الصبيان والبهائم". ولا تنكر أن هذه العادة ما زالت قائمة إلى حد الآن خاصة في الدواوير ولما ينحبس، للاعتقاد بأن "غونجا" "كانت امرأة مؤمنة وفاعلة للخير".
وعادت هذه التقاليد المرتبطة بالمطر والبادية، إلى الظهور من جديد عقب الانحباس الحالي للمطر الذي عطل وأخر الموسم الفلاحي لعدة أسابيع. ورغم مظاهر التحضر والمدنية التي اكتسحت البادية، فالحفاظ على ذلك قائم لما يجد فيه الفلاحون من متنفس للتقرب إلى الله في ألبسة توحي بالفقر والجوع والحاجة إلى المطر الماحي لتلك الآفات.