بعد ليلة مليئة بالـ (( الآكشن )) .. وبعد تناول فطور من يد (( المتوحشة )) ذات الطلة البهية والتي تحمل في داخلها حزن عميق، ولّد عندها صفات اللبوة المفترسة
قررت التخلي عنها والانفراد بنفسي مجدداً .. لدي يوم مليء بالمغامرات الجديدة الغير متوقعة
قالت لي .. أين سنذهب اليوم
قلت لها .. أنا لدي أعمال ضرورية يجب إنجازها و سنتقابل لاحقاً
قالت لي والغرور يملأها .. أنا أصلاً مشغولة أيضاً و سأقابل صديقي لاحقاً
أرادت اثارة غيرتي و تشويقي ولكنني كنت كجلمود صَخراٍ حطه السلُ من علِ
خرجت في حال سبيلها و الغضب يملأها من تصرفي البارد
تنفست الصعداء و أخذت دش بارد و قمت بإعداد قهوة تركية بدون سكر و (( الوش )) الغني يكسوها
خرجت إلى البلكونة .. أخرجت السماعات و استمعت إلى مقاطع طربية لـ (( ميادة الحناوي )) وأشعلت سيجارتي و ارتشفت قهوتي و الهواء العليل ينفث نسماته الرقيقة على وجهي المتواضع
استمريت في جلوسي نحو الساعة و أنا أتأمل في المحيط و أقلب افكاري و استعيد ذكرياتي و أعصف بذهني
اخرجت ملابس خفيفة من أجل الخروج و جهزت نفسي و خرجت
استقليت (( الاوطوموبيل )) باتجاه مقهى (( Paul )) الفرنسي الموجود في النهاية الطرفية لشارع المسيرة الخضراء
دخلت المقهى و اتجهت مباشرة لقسم الحلويات و الكروسونات .. اخترت طلبي واتجهت نحو الطاولات
كان المقهى (( عامر )) بالبشر و اخترت طاولة استراتيجية كانت من حظي
جلست و حضر طلبي و تناولت محتوياته بكل هدوء و رقة .. و عيني تتفحص المكان يمنياً و يساراً
كنت الشخص الوحيد من منطقة الخليج .. بعض الإناث ينظرون بود و احترام و بعض الذكور ينظر لي وهو مستشيط غضباً
على أحد الطاولات كان يجلس شخص بكامل هندامه .. وكان مركز بنظرات عيونه السوداويتين عليّ و كأنه تأبط شراً و كأنه يقول لي ماذا تفعل هنا أيها ..
استمريت في جلوسي قرابة الساعة و النصف و الهدوء يملأني .. تارة ارتشف قهوتي و تارة اتفحص كل ماهو حولي بنظرات غير حادة و أنيقة
خطر على بالي طاجن اللحم بالبرقوق وهو عشقي الأبدي و قلت في نفسي (( مطعم الباسمان )) هو ملاذي
هيا يا (( أنا )) باتجاه مطعم الباسمان في عين ذياب
طلبت الحساب و اتجهت نحو الطاجن الشهي و كأنه يقول لي أنا انتظرك
دخلت مطعم الباسمان قرابة الساعة الخامسة عصراً
المطعم وكما ذكرت سابقاً هو مطعم مغربي أصيل .. كلاس جداً بخمسة نجوم و معظم رواده من الطبقة المخملية
وجدت المطعم خالي من البشر عند دخولي ..
جلست لطاولتي و أنغام الطرب الأندلسي يشجيني و لكن الصوت كان منخفض
أشرت للجرسون بيدي المتواضعة .. حضر ببطأ و الابتسامة غير موجودة على وجناته
قلت له (( عافاك اصاحبي )) احضر لي قائمة الطعام و أرجو أن ترفع صوت الموسيقى لأنني من عشاق الطرب الأندلسي
قام برفع الصوت كما طلبت و طلبت منه أن يحضر لي طاجن لحم بالبرقوق مع بسطيلة (( الحوت )) الشهي
بالاضافة إلى (( قرعة صغيرة )) من النبيذ الأحمر المغربي الصنع و ذو التعتيقة الغير عادية
قام بفتح (( قرعتي )) وسكب منها في الكأس .. شممتها قليلاً و ذهبت الرائحة (( نيشان )) إلى أعماقي و ازدادت شجوني
حلق طيري و ذهب لعنان السماء و الطرب الأندلسي زاد من متعتي و شهيتي
احضر طاجني المفضل باللحم و البرقوق المعسل الطعم .. تناولته برقة و فخامة و المتعة تملأني من رأسي وحتى أخمص قدمي
و بينما المكان كان خالي من البشر .. دخلت فتاة حسناء و معها شنطة سفر تسحبها بيديها الرقيقتين و بصحبتها فتاتين
اختارو طاولة امامي و جلسوا ثلاثتهم .. اخذوا يتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم و طلبوا طعامهم من دون قائمة المطعم و كأنهم من رواد المكان المعروفين
لم يعيروني اي انتباه نهائياً و أنا أيضاً كنت مشغول جداً بطاجني العزيز
وبعد برهة من الزمن قامت صاحبة شنطة السفر برمي بعض النظرات السريعة الخاطفة عليّ و كأن الفضول أشغلها
بعد وقت قصير قامت ترمي بنظاراتها ولكن بتركيزٍ خفيف و كأن الفضول ازداد لديها
و أنا من طبعي أقدر فضول البشر و احترمه جداً وخاصة لو كان من الجنس الناعم و أستطيع حل فضولهم لو أرادوا ذلك
بعد ذلك .. قاموا صديقاتها بتوبيخها باللغة (( الفرنسية )) لكي لا أفهم ما يقولونه .. وفهمت من كلامهم بأن تخف من نظراتها المتكررة و بأن تنتبه لنظراتها التي زاددت على حد قولهم
و بما أنني مقدر لمفهوم الفضول لدى البشر وقلبي هو عبارة عن مساكن شعبية تتسع للجميع .. لم أكن أمانع نهائياً من هذه النظرات السحرية المتكررة
ضحكت بصوت رقيق و أنا انظر اليهم و لاحظوا ذلك .. غضبوا صديقاتها و لكن صاحبة شنطة السفر ابتسمت وهذا هو الأهم بالنسبة لي
قامت صديقتها بتوبيخي بالفرنسية .. وقلت لها عذراً أنا لا أفهم الفرنسية مطلقاً
قالت لي صاحبة شنطة السفر .. من أين أنت
قلت لها .. أنا من أذربيجان ولكن أصولي من سيبيريا
ضحكت بصوت عالي و قالت كنت اعتقد أنك من جورجيا
صديقاتها لم يضحكوا و تضايقوا من الوضع .. و استمرت النظارات اللطيفة بيني و بينها
يتبع ..