عُشاق المغرب كُثر والمجانين أكثر والعُقلاء أيضاً، منهم من اصبح المغرب عشقه لأسباب فردية والبعض لأسباب عاطفية، أما من ارتبط بعشق البلد نفسه فإن علاجه صعب جداً مقارنة بالآخرين.
حيث من يهوى الترحال وسبر الأغوار ومخر عُباب الأطلسي فإنه سيظل دائماً يعشق الاكتشاف والتجديد وإن طال به الغياب فوحده العاشق العاقل يدركُ مضاعفات الحَنين.
نحنُ ندرك تماماً كَمية الأوكسجين التي نحتاجها بمعدل طبيعي، لكننا لا نعرف كمية جرعة العشق لإن سحر المغرب المُباح أسرعُ وسيلة للإدمان، وليس أي إدمان بل هو الجُنون العاقل.
عرجتُ على تلك الأسواق العشوائية بنظرة سريعة خاطفة، باعة الخُضر في جهة والفواكه في جهة أخرى، وأنا بين ضفافهم أحاول مقاومة أمواج أصواتهم العاتية التي تحاول جذبك نحو تيار شراء حاجياتك منهم.
علاوةً على باعة الأسماك ( لم يسبق لي الشراء منهم) ولن اشتري ما حييت وكذلك الجزارين وبعض محلات الحلويات والمخابز الشعبية.
ولن ينسى الزائر هذا السوق أبداً، فإن هنالك أطفال مهنتهم بيع الأكياس البلاستيكية التي منعتها الدولة مؤخراً لأسباب بيئية حسب تعبيرهم.
أما الوضع بالسوق فهو آمن كثيراً كون الكُل منشغل في كسب قوت يومه، ولا يعني ذلك بالضرورة أن تحمل معك مبلغاً كبيراً أو تخرج هاتفك المحمول.
فأنت بين أفقر الأحياء في الدار البيضاء ووسط تكدس غير طبيعي ( غير المواسم) والعُطلات.
غالباً ما أخرج برفقة الحاج محمد أو أخي محمد وبطبيعة الحال هم لا يدعوني اخرج لوحدي حتى ولو أردتُ الخروج لمكان قريب.
فرط الخوف هذا جعلني أتمرد على القوانين والقيود، بالرغم من حبهم وخوفهم علي إلا إني أعرف تفاصيل هذه المدينة وتلك الأحياء.
شكراً لكرمهم وألف شكر لخوفهم علي بارك الله فيهم وفي كل ما يقدمونه لي.
بعد أن تنهي جولتك في السوق، سترى عالماً أخراً ينتظرك قُبيل غروب الشمس
حيث ذلك الزحام الغير معقول جداً في الطريق وتكدس المركبات، وشرطي يقيد العديد من المخالفات لأصحاب الدراجات النارية وبعض سائقي الأجرة.
وبين توسل وعراك صوتي بين الأطراف تكون الشمس راحت في غفوتها اليومية ليبدأ ستار المساء بالنزول تدريجياً.
ولا تعتقد بأنك ستشعرُ بالفرق !
كلا فالحي لا يهدأ ولا ينام حتى سويعات الفجر الأولى.
إنه مزيج رهيب وخليط عجيب، لن يعجبك الحال مبدئياً وتدريجياً ستجدُ نفسك أحببت الحَي ولو بنسبة ضئيلة أو رسخت لديك بعض أجزاء من الذكريات فيه.
لكني لا انصح السائح بزيارته خصوصاً في المساء.
لأن الحي لا تدخله الشرطة إلا نادراً بل لا يأتون إلا بعد أن يذهب أحدهم ليحضرهم.
أما عن الجمال في الحي، فالمساجد والجوامع كثيرة ومتعددة، وفي جهة من الحَي هنالك سوبر ماركت صغير أو لنقل "ميني ماركت" غالباً يُلبي بعض الحاجيات.
لكن من تجربة فإني افضل " مرجان" كونه يضم كافة ما ابحث عنه.
قد يتساءل البعض ما سر مكوثك في الحَي ، فأجيبه : منزلُ الأهل هُناك وبتُ مألوفاً على الجَميع واصبح الكُل كما يقول أحبتنا أهل مصر : يعظمون لي التحية !