24-8-2017م
اتجهتُ باكراً إلى مطار الملك فهد بالدمام استعداداً لعناق عروس الأطلسي، لم تكن الرحلة مجدولة بشكل رسمي نظراً لتكالب ظروف العمل من جهة وتصادم الأعمال الخاصة بالمغرب من جهةٍ أخرى.
الشعور نفسه الذي يراودني حينما أهمُ بالسفر، لا أثقُ بعاطفتي أبداً وقلبي مُجرم حربٍ عتيد لا يرحمني في ساحةِ العشق أبداً وإن أبقاني أسيراً لديه.
أما الوسوسة قُبيل السفر فكانت على هيئة جُرعات أفيونية ( هنالك شيء ناقص- سيحدثُ تأخير-سأفقد العفش-موسم الحج)...!
كل ذلك تغلغل في داخلي باكراً لأني أدرك بأن رحلات المساء دائماً ما تكون كالزيت على أرصفةِ المُدن !
طلبتُ من شقيقي أن يقلني إلى المطار ذلك المساء، و العينُ ترقبُ الطريق والإضاءة وأمواج السيارات التي تتراقص على شاطئ الطريق السريع.
تجاوزنا الطريق الجريح ذو الكدماتِ الفظيعة والجراح العميقة حتى بلغنا مطار الملك فهد الدولي.
الارتباكُ سيد الموقف وكأني عريسُ هذهِ الليلة والكلُ يرقب حضوري وإطلالتي، هل كل شيء على ما يرام؟ يسألني أخي : ابتسمت قائلاً : اعتني بوالدتنا وشقيقاتنا وبلغهم تحياتي.
كنتُ أستجدي الغيمة المتدلية من عنق المطار أن تحبل وتثقل سرعةً في الإنجاز وسهولةً في إنهاء الإجراءات، وكانت صلاة استسقائي العاطفية والأماني مُجابة وحمدت الله بأني لم أتأخر كثيراً ولم يستغرق الأمر سوى خمس دقائق بالضبط حتى عانقتُ بطاقة الصعود للطائرة.
سحبتُ حقيبتي الصغيرة بكل هدوء واكملتُ مسيرتي باتجاه المطاعم والمقاهي المتوسدة أذرعة المطار النائمة على معصمِ الجمال والترتيب، ووقفت متناولاً قهوتي السوداء كليالي الشتاء الباردة.
وقنينة الماء اليتيمة تراودني تارة لعناقها بعد أن نشفت أغصاني شوقاً وحنيناً للمغرب.
قابلتُ صديقي بالعمل دونما ميعاد، فرآني وابتهج وقال : على المغرب يا أبا أحمد ؟
صافحته بحرارة قائلاً : لا حاجةَ لي بالسفر إن لم أتجه إلى المغرب .
ما بال جسمي يعرقُ وكأني في سباقٍ لاختراق الضاحية !! عجبي هل أصبتُ بفرط الحركة الآن ؟!
أوه تذكرت ! القهوة والمشاعر مزيج ساخنٌ جداً وذلك الواتس أب المزعج لا يهدأ ويستفزني غالباً.
أرقد بسلامٍ يا هاتفي العزيز حتى أصل إلى محطتي التالية ( مطار الملك عبدالعزيز بجدة).
إعلان للسادة المسافرين
كلا كلا أرجوكم لا تكن رحلتنا هي المتأخرة أرجوكم لا تحطموا فؤادي !
كالأشباح مرت أرقام الرحلة على تلك الشاشة، ولم أصدق حينها بأن رحلتنا ستتأخر لمدة ثلاث ساعات.
الكارثة بأن لدي انتظار في جدة أربعُ ساعاتٍ تقريباً وهنا ستمضي الساعات وسنتأخرُ في الاجراءات دون شك في مطار الملك عبدالعزيز الدولي !
وصلت الطائرة، انتفض القلب مرتعداً مرعوباً تماماً كعينِ ذلك الذي قضى فترةً طويلة في الظلام ثم أخرجوه للشمس !
أُفٍ لرقعةِ الشطرنج وأفٍ للبيادق و (كش ملك) !
كنتُ مرهقاً للغاية، حيث خرجتُ من العمل واتجهتُ إلى منزل الوالدة حفظها الله لأسلم عليها قبل السفر ولم أنم ساعة وعدتُ إلى منزلي أعدُ عدة السفر وبعد هذا كله نتأخرُ في المطار !
وصلنا جدة بعد رحلةٍ قصيرة نسبياً والخوفُ يدبُ في جوانبنا من فقدان الرحلة، لأن مطار جدة الآن قيد التوسعة والطائرات بعيدة عن المطار، فالمدرجات اصبحت في أقصى المطار.
تجاوزت الاجراءات كلها بسلاسة وفي سباقٍ محموم مع الزمن، شعرتُ بأني ملكت الوقت والمكان حينها فلقد انتصرتُ على الوساوس تلك التي تقتلنا قبل السفر والمخاوف الغجرية !
ركبت الطائرة وتذكرت الراحل : طلال مداح رحمه الله ورحتُ أترنمُ ببعض الطلاسم التي صغتها ذاتَ جنون لاستحضار أرواح الشِعر والنثر كي أدمي وريقاتي المسكينة بوحاً و سرداً.
لا أنام أنا في طائرة متجهة إلى الدار البيضاء أبداً !
وإن سألوني فإني أجيبهم: لم يحدث أن نام أحدهم يوم عُرسه واستيقظ قُبيل الزفاف بساعة !